تصيغ تطورات التقنيات الرقمية عالمنا اليوم.[1] كما تعمل هذه التقنيات على تعزيز رفاهية الإنسان باستمرار من خلال رفع كفاءة الحياة من جميع جوانبها، وتحقيق هذا المستوى المعيشي بأسعار في متناول الجميع ومن شتى الطبقات الاقتصادية والخلفيات الاجتماعية. الأمر الذي يسهم بشكل إيجابي في ترسيخ المساواة بين الجنسين ودمج الشباب ويزيد من الطلب على الوظائف التي تغذّي الاقتصاد الرقمي. وتبعاً لذلك، ظهرت نماذج أعمال ومنتجات تجارية جديدة، مما أدى إلى تطبيق تلك التقنيات بما يضمن الشفافية والمساهمة في نمو الاقتصاد العالمي. ويبلغ اليوم حجم الاقتصاد الرقمي حوالي 11.5 تريليون دولار؛ أي 15.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم.[2] و من المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال عشر سنوات. [3] ولقد أدى هذا التحول الاقتصادي فعلياً إلى إعادة النظر في التصنيف التقليدي للبلدان الغنية والفقيرة.
وفي إطار هذا السياق العالمي، شددت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على التزامها بتحقيق أهداف أجندة العام 2030 واستخدامها لجعل العالم مكاناً أفضلاً بحلول العام 2030، بما في ذلك هدف "تمكين الناس وضمان الشمولية والمساواة". [4] وبالنظر إلى التحديات التنموية في منطقتنا العربية، فهل يمكن للتنمية الرقمية أن تلعب دوراً في تحقيق هذه الأهداف؟
ومن خلال مشروعٍ إقليمي معمّق، انطلق جهدٌ جماعيٌّ لتقييم فرصة تحقيق هذه التطلعات العالمية من خلال التنمية الرقمية. ويوضّح هذا المقال الآثار الرئيسية المتعلقة بالسياسات بناءً على هذه العملية التي أطلقتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) والعديد من منظمات الأمم المتحدة والبلدان الأعضاء خلال عام 2018. ونجم عن تلك الجهود عشر مراجعات وطنية للتنمية الرقمية ومطبوعة أساسية بعنوان "تقرير التنمية الرقمية العربية". ويتمثل الطموح النهائي لهذا الجهد الإقليمي الجماعي في تمهيد الطريق أمام صياغة أجندة رقمية عربية شاملة.
كيف يمكننا تقييم التنمية الرقمية؟
تضمّن منهج "تقرير التنمية الرقمية العربية" للعام 2019 تنفيذ مراجعاتٍ وطنيةٍ للتنمية الرقمية في كل دولةٍ عربيةٍ على حدة. واشتملت العملية على جمع بيانات ٍومعلوماتٍ متعلقة بالتطوير الرقمي عبر خمس مجموعاتٍ تمثل مزيجاً من خطوط العمل المعتمدة في القمة العالمية لتكنولوجيا المعلومات (WSIS)، لتخرج بمجموعاتٍ أكثر تركيزاً على التنمية المستدامة، وهي:
- أطر العمل الاستراتيجية الرقمية؛
- البنية التحتية، الحوكمة، والبيئة القانونية؛
- الاقتصاد الرقمي، التوظيف، والتجارة؛
- التحول الرقمي والإدماج الاجتماعي؛
- الثقافة ووسائل الإعلام.
ينصب تركيز تقارير التنمية الرقمية العربية بشكل أساسي على تقديم مراجعة شاملة للتقنيات الرقمية التي تتبناها المنطقة العربية في سعيها إلى جسر الفجوات الآخذة في الاتساع بإيقاع متسارع قبل العام 2030. أما أوجه التركيز الأخرى للتقارير فهي أن تكون بمثابة عدسة ترصد الأداء التنموي بما يتماشى وهدفي "التحول نحو المجتمعات المستدامة والقادرة على التكيف لمصلحة الجميع" و"تمكين الناس وضمان الشمولية والمساواة". [5]
وكان نتاج ذلك الجهد تقييم منهجي للتقدم الذي تحقق في المجالات الرئيسية لتطبيقات التقنية الرقمية في المنطقة العربية، مع تحليل موسّع ومحدّث حول حالة الجهود الرئيسية المبذولة، والتحديات التي تواجهها، وإصلاحات السياسات التي تحققت في المنطقة العربية لجهة التطوير الرقمي، مع تحديد الإجراءات الواجب تنفيذها لتطبيق هذه السياسات عملياً.
حالة التنمية الرقمية في المنطقة العربية
كانت الاتجاهات السلوكية التالية هي اللافتة بين مستخدمي الإنترنت في جميع دول المنطقة العربية: (1) تزايد الاعتماد على شبكات الهاتف المتحرك، لا سيما من الجيل الثالث والجيل الرابع؛ (2) الفجوة بين الجنسين في استخدام الإنترنت أصغر في دول مجلس التعاون الخليجي منها في بقية البلدان العربية، وهي في تلك الدول أكبر من متوسطها العام في البلدان النامية؛ (3) تطبيقات الوسائط الاجتماعية هي الأكثر استخداماً عبر الإنترنت، وخاصة تطبيقات الاتصال الصوتي/المرئي؛ (4) معدل استخدام تطبيقات التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية أقل من المتوسط العالمي، مع محدودية استخدام تطبيقات الحكومة الإلكترونية والخدمات المالية؛ (5) توفّر خدمة الإنترنت بأسعارٍ في المتناول منخفض نسبياً في معظم الدول العربية.
سلوكيات الاستخدام الشهري للإنترنت في المنطقة العربية (2017 مقارنة بـ 2015)
عصر الثورة الصناعية الرابعة"[6]
أدت مراجعة وضع مجتمع المعلومات في المنطقة العربية، وفق المراجعات الوطنية العشرة التي أعدتها البلدان المشاركة، متبوعة بتحليل مقارن، إلى النتائج الرئيسية التالية:
- الاستراتيجيات الرقمية
تتوافر استراتيجيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات القطاعية بشكل أو بآخر في الدول المشاركة من المنطقة العربية. ويشمل ذلك استراتيجيات الحكومة الإلكترونية، علاوة على استراتيجية أو أكثر من استراتيجيات الصحة الإلكترونية، التعليم الإلكتروني، التجارة الإلكترونية، والدفع الإلكتروني. وقليلة هي الدول التي لديها خطط عمل تنفيذية لـشبكات النطاق العريض" أو أمن المعلومات أو التنقّل الذكي أو الذكاء الاصطناعي. وهناك عدد من المبادرات الوطنية الهادفة إلى تمكين المجتمع ككل من خلال إشراك النساء والشباب وذوي الإعاقة في بناء مجتمع المعلومات. ومع ذلك، لا تزال قياسات الفجوة الرقمية، بما في ذلك الفجوة بين الجنسين، محدودة في معظم البلدان العربية التي تم تقييمها. وعلى المستويين الإقليمي والدولي، تُبدي دول مجلس التعاون الخليجي تنسيقاً وتعاوناً أعلى من البلدان العربية الأخرى.
- أطر عمل السياسات حول البنية التحتية والحوكمة والبيئة الرقمية
تقدم هيئات تنظيم الاتصالات في جميع الدول العربية ترخيصاً لخدمات الاتصالات الأساسية وشركات اتصالات الهاتف النقال ومقدمي خدمات الإنترنت. ويرتفع مستوى التنافسية بين شركات اتصالات الهاتف النقال وبين مقدمي خدمات الإنترنت في جميع الدول المشاركة. ويستمر معدل انتشار الهواتف النقّالة في الارتفاع في جميع الدول، حيث يتراوح بين 70 و200 في المائة. بينما يقترب معدل انتشار الإنترنت في المنازل من 100 في المائة بدول مجلس التعاون الخليجي وما بين 45 و80 في المائة بالنسبة لمعظم الدول الأخرى. كما أن معدل تغطية السكان بخدمات الهاتف المتحرك مرتفع (80 إلى 100 في المائة) بمعظم البلدان. وتمتاز الاشتراكات الثابتة بالإنترنت عبر النطاق العريض بالسرعات المتوسطة والعالية في دول مجلس التعاون الخليجي والأردن، والسرعات المنخفضة في بقية الدول. وفي الدول التي تشهد نزاعات وصراعات، ينصب التركيز على إعادة بناء الشبكات الرقمية التي تتيح الاستفادة الكاملة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عبر النطاق العريض، وباستخدام اتصالات الألياف البصرية. وتوفر الشبكات الأساسية الوطنية البنية التحتية اللازمة للنطاق العريض، بما في ذلك النقاط الفعّالة للاتصال بشبكة واي فاي، وخدمات واي ماكس، وشبكات الجيل الثالث والجيل الرابع ومراكز تبادل الإنترنت، مع الربط بالكابلات البحرية.
وقد انعقدت شراكات بين أصحاب المصلحة بغية تغطية المجالات الرئيسية لمجتمع المعلومات، لا سيما في مجال بناء الكفاءات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وريادة الأعمال وتطوير البنية التحتية. وما بين عامي 2008 و2018، سنّت الدول المشاركة تشريعات مهمة فيما يتعلق بالفضاء الإلكتروني، ومنها المعاملات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني والدفع الإلكتروني والتجارة الإلكترونية. وتبنت استراتيجية ومعايير رسمية للأمن الإلكتروني، مع إصدار قوانين جرائم الإنترنت، وإنشاء وحدات خاصة لمكافحة الأنشطة المسيئة في هذا الصدد.
المصدر: http://www.itu.int/en/ITU-D/Statistics/Pages/definitions/regions.aspx
- أطر عمل السياسات حول الاقتصاد الرقمي والتنمية الاقتصادية
عدد شركات الاتصالات محدود عموماً في الدول محل البحث وهي مملوكة للحكومات وتمتاز بالإيرادات المرتفعة وعدد العاملين الكبير، في حين أن سمة شركات تكنولوجيا المعلومات هي صغر الحجم، كما أن عددها يصل إلى المئات وغالباً ما تكون شركات خاصة. ونعاني من نقصٍ في البيانات المتعلقة بشركات تكنولوجيا المعلومات، لا سيما ما يتعلق بهيكلها وإيراداتها وموظفيها والبيانات المصنّفة حسب الجنس. ولا توجد في جميع دول المنطقة معلومات عن استراتيجيات البحث والتطوير والابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلاً عن الآليات وأدوات التنفيذ. ولا يتوفر التمويل الكافي لتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال حاضنات الأعمال لرواد الأعمال الشباب وفي المناطق الاقتصادية الخاصة. وتتراوح مساهمة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (وخاصة الاتصالات) في الناتج المحلي الإجمالي للبلدان المشاركة بين 0.6 في المائة و6 في المائة، تبعاً لإيرادات الاتصالات بشكل أساسي. وبينما تزدهر خدمات الصيرفة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والأعمال الإلكترونية الأخرى في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن حالتها خلاف ذلك في بقية البلدان العربية، التي تبذل جهوداً في حض الشركات والمواطنين على ممارسة التجارة الإلكترونية على نطاق أوسع. وستؤدي الوظائف الجديدة التي ستتوفر على الأغلب في الدول العربية للشباب في صناعات التقنيات الرقمية، إلى التعويض جزئياً عن فقدان الوظائف الناجم عن الاعتماد المتزايد على الأتمتة. وهناك أنماط متنوعة من الاعتماد على الشبكة الإلكترونية في التوظيف بالبلدان المشاركة، وخاصة بوابات التوظيف الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، عن طريق نشر السير الذاتية وإعلانات العمل. ولكن معدل انتشار العمل عن بعد محدودٌ للغاية، على الرغم من أهميته وجدواه بالنسبة للنساء وذوي الإعاقة.
- أطر عمل السياسات للتنمية الاجتماعية
على الرغم من توفر مراكز مجتمعية في عددٍ من المناطق النائية والمحرومة بغرض تعزيز الإدماج الاجتماعي من خلال تسهيل استخدام الإنترنت وتوفير التدريب اللازم، إلا أنها لا تغطي كامل جغرافية البلدان. وكذلك فإن خدمات النطاق العريض للمنازل والهواتف الذكية ليست في متناول الأسر منخفضة الدخل بعد. كما تأسس عدد محدود من الجامعات الافتراضية لتسهيل الدراسة عن بعد عبر الإنترنت، وتقديم المعرفة للطلاب بطريقة تفاعلية وإعداد مناهج التعليم الحديثة. وكذلك تنتشر مراكز ومدارس محو أمية الكبار، ومنها ما هو مخصص للفتيات، مع تزويدها بمختبرات الحاسوب لاستخدامها في التدريس. وقد تبنّت بعض الدول المشاركة تكنولوجيا المعلومات كمادة منفصلة في مناهجها المدرسية وصارت تستخدم الكتب المدرسية الرقمية لتسهيل التعليم الإلكتروني. كم أطلقت الدول عدد من المبادرات، بعضها يستهدف النساء، لتعزيز المعرفة الرقمية. كما تتوسع خدمات الحكومة الإلكترونية في المنطقة العربية، حيث بلغت دول مجلس التعاون الخليجي مراحل متقدمة عن بقية الدول، في ظل عدم تواجد خدمات الدفع الإلكتروني والمشتريات الإلكترونية في نصف الدول العربية موضوع البحث. وفي كل دولة توجد سلطة محددة تشرف على الحكومة الإلكترونية، وتوفر كل دولة بوابة إلكترونية تحدثها بمعلومات ثابتة، وكذلك هناك خدمات تفاعلية وخدمات دفع إلكترونية في بعض البلدان. وتقدم وزارات الصحة في جميع الدول المشاركة على مواقعها عبر الإنترنت معلومات التوعية بشأن قضايا الصحة العامة للرجال والنساء والأطفال. ويشيع استخدام أنظمة إدارة المستشفيات إلكترونياً، مع وجود روابط إلكترونية محدودة بين المستشفيات والمراكز الصحية. ولم تنتشر بعد خدمات الطب عن بعد لغرض التشخيص والرعاية الصحية بالمناطق المحرومة. إلا أنه لوحظ استخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومنها أنظمة الإنذار المبكر، لتتبع ورصد حالات الأمراض المعدية والحد من انتشارها.
- مجالات السياسات الثقافية والإعلامي:
تنفرد المنطقة العربية بتراث ثري وثقافات متنوعة. وتجري في معظم الدول المشاركة أعمال رقمنة الوثائق والمخطوطات والتحف الأثرية. فقد تأسست مراكز للتوثيق التاريخي، وتنفذ مشاريع التوثيق ثنائي الأبعاد وثلاثي الأبعاد للمباني التاريخية، باستخدام التصوير الرقمي عالي الجودة وبناء التراث الصوتي، وذلك من خلال استخدام المنصات والمواقع الإلكترونية للحفاظ على المعلومات والترويج للأنشطة الثقافية الخاصة بها. إلا أن التكلفة المرتفعة لتلك الأنشطة تدفع العديد من الدول إلى وقفها خلال أوقات الأزمات أو الصعوبات الاقتصادية.
أما المشهد الإعلامي في المنطقة العربية فهو متنوع؛ في ظل سيطرة حكومية في بعض البلدان واستقلال تام عنها في بلدان أخرى. وبينما لا تزال الوسائل الإعلامية التقليدية مهمة، أسهمت الوسائط الرقمية في زيادة مصادر المعلومات وتنوعها، كما حدّت من تأثير السيطرة الحكومية، ووفرت التواصل الإعلامي بين المصدر والمتلقي. كما تجدر الإشارة إلى أن البيانات المصنفة حسب الجنس أينما توفرت، تشير إلى استمرار هيمنة الرجال على المناصب القيادية في الشركات الإعلامية. كما يتحقق الدمج بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع الأشكال الإعلامية الأخرى (الإنترنت والتلفزيون والإذاعة والصحف)، ولكن بمعدل أبطأ مقارنةً بالدول الأكثر تقدماً. وقد أجمعت الدول العربية على أن وسائل التواصل الاجتماعي غيّرت من أسلوب حياة شعوب المنطقة وطريقة تفكيرهم وطبيعة أعمالهم، بغض النظر عما إذا كان ذلك التغيير للأفضل أو إلى الأسوأ.
- الإدماج في بناء مجتمع المعلومات
على المستوى الإقليمي، تتصدر دول مجلس التعاون الخليجي "مؤشر الإنترنت الشاملة"، الصادر عن وحدة المعلومات التابعة لمجلة "إكونوميست" للعام 2019. ويغطي المؤشر مدى توفر الإنترنت، والقدرة على تحمل تكاليف الوصول إليها، وملاءمة المحتوى المتوفر للحاجة المحلية، ومستوى جاهزية المجتمع للاتصال بالإنترنت. وقد اتضح وجود فجوة بين الجنسين في معظم الدول العربية، حيث تتفاوت ما بين 3 في المائة (قطر) و53 في المائة (السودان). [7]
- تمكين المجتمع من خلال التنمية الرقمية
يتطلب قياس مستوى التمكين، الذي يمكن رصده من خلال رصد البيانات التنموية، وجود مؤشرات توافر البيانات واستخدامها والقدرة على تحمّل تكلفتها، بالإضافة إلى مقياس لمدى الرقمنة. فمثلاً تنتشر شبكة الجيل الثالث بشكلٍ واسعٍ نسبياً في معظم الدول العربية، في حين ينخفض معدل انتشار الإنترنت لدى معظم هذه الدول. كما يشكل تدني قدرة الفرد على تحمّل تكاليف تنزيل البيانات عقبة كبيرة أمام أقل البلدان نمواً في المنطقة العربية. كما أن انخفاض القدرة على تحمل تكلفة تنزيل البيانات في البلدان التي في حالة صراعات يحدّ من التمكين المجتمعي. وقد كان "مؤشر الاستخدام الرقمي" في المنطقة العربية، والذي يقيس التوسع في التقنيات الرقمية في دولة ما، هو الأعلى في الإمارات العربية المتحدة (0.823)، كما حققت دول مجلس التعاون الخليجي نتائج جيدة (أعلى من 0.65)، بينما كانت النتائج التي حققتها البلدان الأقل نمواً وتلك التي تعاني من حالات نزاع مسلح هي الأدنى (أقل من 0.34). وبالتالي، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمقدرات جيدة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التنمية، بينما تحتاج البلدان الأخرى إلى توَفّر الدعم حتى يتسنى لها تبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
خارطة سياسات التنمية الرقمية في المنطقة العربية: خطوات تنفيذية لصناع السياسات
بناءً على نتائج التقرير المعني بالمنطقة، طُرحت توصيات شاملة بشأن المستقبل الرقمي للمنطقة العربية وصُنفت إلى فئات متكاملة من الإجراءات المتعلقة بالسياسات العامة، موجهةً نحو مجموعات مختلفة من أصحاب المصلحة:
الاستراتيجيات الرقمية:
- الاستراتيجيات الرقمية لأهداف التنمية المستدامة: يجب تبني استراتيجيات رقمية إقليمية تشكل كامل المنطقة (وما بين الأقاليم الجزئية في المنطقة) تركّز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتوفّر فهماً مشتركاً لمتطلبات تحقيق الالتزامات الدولية على النحو المنصوص عليه في أجندة العام 2030.
- تحديد الأولويات بنهج استراتيجي: يتوجب صياغة رؤية طويلة الأجل للتنمية على المستوى الوطني، مع مراعاة أهم اتجاهات التحوّل الرقمي التي تؤثر على التنمية الاجتماعية والاقتصادية على الصعيدين الوطني والإقليمي.
- التنسيق بين الاستراتيجيات: وضع إطار عمل استراتيجي رئيسي للتنمية المستدامة يربط بين الاستراتيجيات الرقمية والاستراتيجيات وخطط العمل الوطنية الأخرى، بما يضمن التكامل والتآزر بين جميع الأنشطة التي تهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة الرئيسية.
- قياس مجتمع المعلومات: يجب اتباع المقاييس المتفَق عليها دولياً لقياس الفجوات الرقمية والجوانب الأخرى لمجتمع المعلومات على أساس منتظم لمقارنة أداء الدولة مع المنطقة والعالم، مع الإشارة إلى الفجوات وطرق تجاوزها لمساعدة صانعي القرار والسياسات في ابتكار الاستراتيجيات المطلوبة.
- تكييف الخطط التنفيذية بشكل يشمل الجميع: يجب تبنّي استراتيجية رقمية وطنية واستراتيجيات وخطط عمل قطاعية جيدة الصياغة وذات رؤية، بالتنسيق مع أصحاب المصلحة من القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، لا سيما المنظمات غير الحكومية المهنية، لمراجعتها بشكل دوري، مع الإشارة إلى ضرورة إدراج مؤشرات الإنجاز في الاستراتيجيات وخطط العمل.
- تصميم آليات الاستجابة لكل ديمغرافية مجتمعية: إنتاج بيانات مفصلة حسب الجنس والفئات العمرية لجميع قياسات المؤشرات، للتمييز بين الإجراءات التي يتعين اتخاذها وفقاً لهذه البيانات.
- ضمان عدم إغفال أي أحد: الحرص على وضع استراتيجيات وطنية شاملة، والاهتمام باحتياجات ذوي الإعاقة والقاطنين في المناطق النائية والمحرومة، مع التركيز على تمكين المرأة وتلبية احتياجات الشباب.
البنية التحتية، والحوكمة، والبيئة القانونية:
- تشجيع المنافسة: يجب توفير بيئة تنافسية لخدمات الاتصالات الأساسية، بما في ذلك الهاتف الثابت والنطاق العريض الأرضي، من أجل خفض الأسعار وتحسين الخدمات.
- زيادة معدلات الاتصال عبر النطاق العريض: زيادة عرض حزمة الاتصال الدولي للإنترنت للسماح بوصول الجميع إلى البيانات والمعلومات، بما في ذلك تحقيق تغطية شبكات الهاتف النقّال عبر النطاق العريض بشكل شامل.
- ضمان الوصول المؤسسي واسع النطاق: ضمان الاتصال بالإنترنت لجميع المؤسسات، بما في ذلك المؤسسات الحكومية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية.
- توطين الوصول للإنترنت: توفير أسماء نطاقات الإنترنت العلوية العامة لرموز الدول العربية (ccTLDs) وتشجيع جميع المنظمات، العامة والخاصة، الوطنية والدولية على تبني عناوين مواقع الإنترنت أو "العناوين الموحدة للوصول لموارد الإنترنت" (URL) كاملة التعريب، لتسهيل استخدام الإنترنت من قبل جميع الأشخاص.
- تفعيل حوكمة الإنترنت: تنشيط مشاركة وإشراك المؤسسات العامة في منتديات حوكمة الإنترنت على الصعيدين الدولي والإقليمي، مع عقد فعاليات وأنشطة حوكمة الإنترنت الوطنية الرسمية.
- ضمان الخصوصية: اعتماد التشريعات السيبرانية الوطنية لحماية الخصوصية والبيانات الرقمية والتنسيق بشأن ذلك إقليمياً.
- مكافحة الجريمة السيبرانية: صياغة استراتيجية وإطار قانوني لمكافحة الجريمة السيبرانية على المستوى الوطني، والتي ينبغي أن تتضمن بناء كفاءات النظم التشريعية والأفراد.
- حماية الطفل عبر الإنترنت: اعتماد تدابير لحماية الأطفال من سوء المعاملة على الإنترنت وإنفاذها قانونًا.
- المعاملات الرقمية العادية: تبنّي سياسات وتدابير تقنية لسلامة وشرعية المعاملات الإلكترونية والوثائق الإلكترونية والمصادقة الإلكترونية وإنفاذها قانوناً.
الاقتصاد الرقمي والتوظيف والتجارة:
- قياس السوق الرقمية: فرض إضفاء الطابع الرسمي على القطاع الاقتصادي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من خلال توفير معلومات عن شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك شركات تكنولوجيا المعلومات الصغيرة، وتصنيفها حسب الحجم والإيرادات والقوى العاملة، مع مطالبة هذه الشركات بتسليم البيانات وفقاً لمستوى الأقدمية ومصنفة حسب الجنس والعمر؛
- التنسيق بين منظومة الرقمية والاقتصاد الوطني: تأسيس مراصد للتقنية الرقمية لجمع بيانات حول سلع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصناعات ذات الصلة وكذلك التجارة عبر الإنترنت، وإجراء التحليل اللازم الذي يؤدي إلى دراية أفضل بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومساهمته في الاقتصادات الوطنية؛
- استراتيجيات البحث والتطوير والابتكار الوطنية: تبنّي استراتيجية بحث وتطوير وابتكار للتقنية الرقمية بحيث تشمل المؤسسات الحكومية والأكاديمية والصناعية مع التركيز على الاحتياجات المحلية لكل دولة وتطوير السلع الرقمية المتقدمة بغية تصديرها؛
- عقد شراكات عالمية ذات قيمة: التعاون مع المؤسسات والمعاهد الإقليمية والدولية بشأن البحث والتطوير والابتكار للتقنيات الرقمية من خلال شراكات عالمية؛
- تكوين التجمعات والمناطق الخاصة وتحفيزها: تسهيل الاستثمار في التقنيات الرقمية من خلال تأسيس مناطق اقتصادية وصناعية خاصة، وتقديم حوافز لها من قبيل خفض الضرائب وتبسيط الإجراءات؛
- سلاسة المعاملات المالية الإلكترونية: المسارعة في اعتماد عمليات الدفع الإلكتروني والتجارة الإلكترونية وتيسير تنفيذها وتوسيع نطاقها على الصعيدين الوطني والإقليمي؛
- قياس اتجاهات التوظيف في اقتصاد المعرفة: جمع ونشر إحصاءات بشأن العمالة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتوظيف الإلكتروني، مع بيانات مصنفة حسب الجنس والعمر لدعم مبادرات تمكين المرأة والشباب؛
- ترقية هيكلية التوظيف: الاعتراف الرسمي بالعمل عن بُعد باعتباره نمطاً وظيفياً مشروع، يملك جميع الحقوق والامتيازات المعترف بها.
الإدماج الاجتماعي:
- جسْر الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية: توسيع نطاق جغرافية مراكز الوصول والمعرفة، لتشمل جميع المناطق النائية والمحرومة ولتوفير مجموعة متنوعة من الخدمات الإلكترونية والتدريب المتخصص لتلبية احتياجات المجتمع؛
- توسيع نطاق الوصول والاتصال: توفير الاتصال عبر النطاق العريض للمنازل بأسعار منخفضة من أجل زيادة معدلات استخدامها من قبل العائلات ذات الدخل المنخفض، وتشجيع استخدام الإنترنت للوصول إلى المعرفة والتطبيقات الهامة مثل الحكومة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني والصحة الإلكترونية؛
- ترقية مسارات التعليم وبناء الكفاءات: تطوير مناهج التعلم الحديثة في المدارس باستخدام الكتب الإلكترونية، بما في ذلك مهارات المستقبل كأحد المواضيع الرئيسية؛
- قنوات التعليم الافتراضية الشاملة: تأسيس مدارس وجامعات افتراضية لتسهيل سبل الدراسة للشباب في المناطق النائية، وتوفير تعليم عالي الجودة للجميع؛
- توسيع نطاق خدمات الحكومة الرقمية: تطوير وتوسيع نطاق خدمات الحكومة الإلكترونية لتصبح تفاعلية في عمليات الدفع الإلكتروني والمشتريات الإلكترونية، واستخدام أدوات وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي الملائمة على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية لإنجاز هذه الخدمات، مع ملاحظة أن الحكومة الإلكترونية تظل العمود الفقري والمحرك المركزي الوطني لبناء المجتمع الرقمي.
- ترقية البنية التحتية للصحة الرقمية: تبني وتنفيذ استراتيجية وطنية للصحة الإلكترونية، بما في ذلك أنظمة إدارة المستشفيات المتصلة والمتقدمة والمتناغمة وأنظمة إدارة الأدوية التي تتبع معايير التوافق، فضلاً عن أنظمة الطب عن بُعد والمتابعة الرقمية.
الثقافة ووسائل الإعلام:
- المسارعة في تنفيذ الرقمنة الثقافية: رقمنة المكتبات العامة وأرشفتها والمخطوطات التاريخية والمحفوظات الأثرية والمباني التاريخية لتسهيل الوصول إلى المعرفة والتحضير للتحولات الرقمية القادمة؛
- تمكين وسائل الإعلام الرقمية: زيادة عدد وتنوع الوسائط الرقمية لإثراء السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلدان العربية؛
- قياس المشهد الإعلامي الرقمي: توفير معلومات مفصلة عن المؤسسات الإعلامية الوطنية وهياكلها وخبراتها المتاحة وكفاءات الإدارة مع البيانات المصنفة حسب نوع الجنس؛
- تمكين التقارب بين الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات: صياغة استراتيجيات وطنية للتقارب بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإعلام، والتعاون فيما بين البلدان العربية لتبني استراتيجيات التقارب إقليمياً؛
- تأسيس قنوات مشاركة إلكترونية: تسخير منصات التواصل الاجتماعي لتسريع التنمية من خلال تأسيس نهجٍ تشاركي، ومن خلال زيادة الوعي بدور منصات التواصل الاجتماعي، وفائدتها وفعاليتها وكذلك التنبيه إلى الجوانب السلبية فيها.
الطريق نحو المستقبل..
تمثّل هذه المراجعات للتنمية الرقمية الوطنية وتقرير التنمية الرقمية العربية وسيلة لتحقيق غاية. فالهدف النهائي يتمثّل في وضع أجندة تنمية رقمية عربية شاملة للعام 2030، بالإضافة إلى أجندات التنمية الرقمية الوطنية المصممة وفقاً لخصوصية كل دولة في المنطقة. أما التحدي فيتمثّل في إيجاد رؤية متماسكة بين صانعي السياسات في دول المنطقة؛ رؤية تتيح العمل بتوافق والتكامل بين الدول، فضلاً عن تعزيز الكفاءة والفعالية بغرض تحقيق تطلعات أجندة 2030 لمستقبلٍ أكثر إشراقاً وشمولاً رقمياً، لتمكين مستقبل المنطقة العربية بأسرها. ويشكل هذا غاية لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا لعامي 2020 و2021 وشركائها في جامعة الدول العربية، وغيرها من المنظمات والاتحادات والمجالس البارزة. فلا يوجد وقت أمثل من الآن لصياغة أطر سياسية إقليمية تنسيقية لتحقيق هذه الأهداف.
أيمن الشربيني هو رئيس سياسات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا). اقرأ كامل السيرة الذاتية عبر الضغط هنا.
المصادر:
[1] أيمن الشربيني، مع ميرنا بربر، و زهر بوغانم
[2] انظر: https://unctad.org/en/PublicationsLibrary/der2019_en.pdf
[3] https://www.worldbank.org/en/topic/digitaldevelopment/overview#1
[4] كان موضـوع "تمكيـن النـاس وضمان الشـمولية والمسـاواة" هو موضوع العام 2019 في المنتدى السياسـي رفيع المسـتوى حول التنمية المسـتدامة. ويشـمل المنتدى جميـع الـدول األعضـاء في األمـم المتحدة والدول األعضاء فـي الـوكاالت المتخصصـة ويقوم بتنفيـذ مراجعات طوعية منتظمـة ألجنـدة العـام 2030 التي تشـمل البلدان المتقدمة والناميـة، باإلضافـة إلـى كيانات األمـم المتحدة ذات الصلة وغيرهـا مـن أصحـاب المصلحة. وهـي مراجعات تنفذها الـدول، وتتضمـن مشـاركين مـن جهات وزارية وغيرها من الجهات رفيعة المسـتوى، وتوفر منصة للشـراكات، بمشـاركة أصحاب المصلحـة المعنيين.
[5] هـذه األفـكار مسـتمدة إلى حـد كبير من أعمال المنتدى السياسـي رفيع المسـتوى الذي انعقد عامي 2018 و2019.
[6] كليـة محمـد بن راشـد لإلدارة الحكوميـة: "العالم العربي واإلنترنـت 2021-2017 :التحـوالت الرقمية واالتجاهات االجتماعيـة السـائدة فـي عصر الثـورة الصناعية الرابعة": https://www.mbrsg.ae/home/publications/research-report-research-paper-white-paper/the-arab-world-online-2017.aspx
[7] يحتسـب "مؤشـر اإلنترنت الشـاملة"، الصادر عن وحدة المعلومـات التابعـة لمجلـة "إكونوميسـت" للعام 2019 بتغطية 100 دولـة (منهـا 11 دولـة عربيـة، تشـمل خمس من دول مجلـس التعـاون الخليجي). للمزيد: theinclusiveinternet.eiu.com
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.