نحو خارطة الطريق إلى المستقبل[1]

تُعرّف الحكومة المفتوحة على أنها حكومة فعالة وكفؤة في أداء واجباتها وتتسم أعمالها بالشفافية؛ وهي حكومة تستجيب لاحتياجات مواطنيها، وتثمّن مشاركتهم وخبرتهم ومعرفتهم في صنع القرار؛ كما أنها حكومة شاملة ويمكن لجميع المواطنين الوصول إلى خدماتها، وتعتمد على التكنولوجيات المتقدمة لتعزيز الحوكمة وتقديم الخدمات[2]. في الحقيقة لا يوجد تعريف واحد للحكومة المفتوحة في الأدبيات والمراجع المتعلقة بالموضوع، إذ إن معنى هذا المصطلح والمفاهيم المرتبطة به غير ثابتة وهي تمرّ بتحوّل مستمر، إلا أننا نلحظ أن جميع تلك التعريفات تُجمع على أن تحسين الشفافية والمساءلة وتفعيل مشاركة المواطنين في صنع القرار هي الأهداف الأساسية للحكومة المفتوحة.

تعتمد الحكومة المفتوحة على مبدأَي الانفتاح والتشاركية وعلى حق كل مواطن في الوصول إلى المعلومات، وهو أحد الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويشير المبدأ الأول المتمثل في الانفتاح إلى إتاحة ونشر البيانات المتوفرة لدى الحكومة للمواطنين ولجميع أصحاب المصلحة. أما المبدأ الثاني: التشاركية فيهدف إلى زيادة التفاعل والتعاون بين الحكومة والمواطنين من أجل إشراك المواطنين في صنع القرارات وتحسين الخدمات المقدمة لهم. وفي عصرنا الحالي، تعدّ التقنيات الحديثة فرصة ممتازة تمكّننا من دعم تطبيق الحكومة المفتوحة وفق أُطر عمل ونماذج تعتمد على البيانات المفتوحة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والأدوات التعاونية، والإشراك المفتوح، والابتكار المفتوح.

بيد أن الانتقال إلى الحكومة المفتوحة يتطلب إجراء تحولٍ في طرق العمل الحكومي، وبالتالي فهو بحاجة إلى برنامج شامل وطويل الأمد، كما يحتاج إلى توفر الإرادة السياسية لقيادة هذا التحول بالإضافة إلى تعديل في التشريعات والقوانين، وفي الإجراءات الإدارية والتنظيمية والمؤسسية ودعم البنية التكنولوجية على مستوى التراب الوطني برمته. تتطلب الحكومة المفتوحة إطاراً تشريعياً ملائماً لتعزيز تطبيقها، وتعتبر القوانين المنظمة لـ"حق الوصول إلى المعلومات" عنصراً أساسياً لتطبيق الحكومة المفتوحة، إذ أنها تكرّس حق المواطن في الحصول على المعلومة وتوفّر الغطاء القانوني لفتح البيانات الحكومية وتداولها. كما أنها تدعم الحقوق المتعلّقة بحرية الرأي والمشاركة في الحياة العامة، وتعزيز الممارسات الديمقراطية؛ فضلاً عن أثره الجوهري على تعزيز المساءلة والشفافية، والكشف عن حالات الفساد المحتملة.

 

لكن وعلى الرغم من أن برنامج الحكومة المفتوحة يتطلب تغييرات استراتيجية في طرق عمل القطاع الحكومي، إلا أن فوائدها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وفوائدها الخاصة بالحكم الرشيد وتحقيق العدالة، تدفع المجتمعات إلى تبنيها والتحول نحوها. يؤدي تطبيق الحكومة المفتوحة إلى العديد من المنافع الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، كما يدعم جهود مكافحة الفساد. فمثلاً، نجد أن تطبيق مبدأ البيانات المفتوحة في كندا أدى إلى توفير حوالي 3.2 مليار دولار، وذلك لمجرد فتح البيانات المتعلقة بالضرائب الأمر الذي ساعد على زيادة الشفافية ومواجهة التهرب الضريبي[3]. وقد أدى اعتماد سياسات واستراتيجيات البيانات الحكومية المفتوحة على مستوى دول الاتحاد الأوربي إلى فوائد اقتصادية جمة؛ فقد بينت إحدى الدراسات[4] أن الحجم التراكمي للقيمة الاقتصادية لسوق البيانات المفتوحة في الاتحاد الأوربي للفترة 2016-2020 سيصل إلى حوالي 325 مليار يورو، وأن عدد فرص العمل التي ستخلقها البيانات المفتوحة لذات الفترة سيصل إلى 100 ألف فرصة عمل، يضاف إلى ذلك الأثر الإيجابي لتطبيق البيانات المفتوحة على المجتمع والبيئة والثقافة.

الحكومة المفتوحة وأهداف التنمية المستدامة

تحمل الحكومة المفتوحة تأثيراً هاماً في الحوكمة الرشيدة، إذ أنها تفعّل مبادئها الأساسية المتمثلة في: المساءلة والشفافية والشمولية والفعالية والتخييرية والتجاوبية[5]. كما أنها تسهم في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة وبخاصة الهدف السادس عشر (16) منها الخاص بالسلام والعدل والمؤسسات القوية، إذ تتقاطع أهدافها مع المقاصد 16.6، 16.7، 16.10[6] (المنصوص عليها في أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة)؛ فضلاً عن ذلك، تتمتع الحكومة المفتوحة، بقدرتها على تسريع الجهود المبذولة للقضاء على الفقر (الهدف 1) وتحسين الخدمات الصحية وزيادة الرفاه (الهدف 3)، وذلك لأن الانفتاح والشفافية، والتي تعدّ أحد أهم خصائص الحكومة المفتوحة، تمكّن المواطنين من مراقبة إنفاق المال العام لا سيما في المشاريع الوطنية التنموية الرامية إلى تحسين حياة المواطنين. علاوة على ذلك، تساهم البيانات المفتوحة والتشاركية في زيادة كفاءة الخدمات العامة، وذلك بالاعتماد على إشراك المواطنين والمجتمع المدني في عمليات التخطيط وصنع القرار في المشاريع التنموية في قطاع التعليم وتوفير المياه والطاقة النظيفة (الأهداف:4 ، 6، 7). كما لا يخفى أثر الحكومة المفتوحة في تعزيز الابتكار وخلق فرص عمل جديدة لائقة للمواطنين لا سيما الشباب منهم (الهدفين: 8 و 9)، إذ تفتح البيانات المفتوحة أمام الأفراد والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية آفاق تطوير تطبيقات مجتمعية مبتكرة بالاعتماد على البيانات المفتوحة وتلبيةً للاحتياجات المجتمعية.

لقد برهنت تجارب العديد من الدول المتقدمة والنامية الأثر الإيجابي للحكومة المفتوحة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ففي المجال التعليمي مثلاً، قررت وزارة التعليم في إيطاليا فتح البيانات الخاصة بالمدارس ضمن مشروع أسمته "RomaScuola"، وهكذا أصبح بمقدور المواطنين البحث بسهولة عن المدرسة الأفضل لأولادهم عن طريق مقارنة البيانات الخاصة بالمدارس والتي تضمنت معلومات قيمة مثل نسبة غياب المدرسين، وقابلية الوصول للإنترنت في المدرسة، وغيرها من المعايير الهامة للطلاب والطالبات[7].

أما إذا أخذنا قطاع الصحة، فسنجد أن التجارب في دول الاتحاد الأوربي، أثبتت أن المواطنين يطالبون بشدة بفتح البيانات الخاصة بالمراكز الصحية وبالرعاية الصحية، إذ أن فتح هذه البيانات يمكّنهم من اختيار المراكز الصحية الملائمة لهم بناء على الموقع الجغرافي، والاختصاصات المتوفرة في كل مركز، ومستوى تقديم الخدمات. من ناحية أخرى، جعلت البيانات المفتوحة أصحاب القرار في المراكز الصحية قادرين على الاطلاع على بيانات ومعلومات المراكز الأخرى الأمر الذي ساهم عموماً في رفع مستوى الخدمات التي تقدمها تلك المراكز. بالإضافة إلى ذلك، تتوفر اليوم العديد من تطبيقات الهاتف النقال التي تعتمد على البيانات المفتوحة والتي تساعد الجهات المعنية على الاستجابة لحالات الطوارئ بشكل أكثر فعالية، ولعل من أشهرها PulsePoint التطبيق الذي يوفر للمستخدم معلومات حول أقرب مركز يحوي جهاز صدمات كهربائي أو شخص يتقن الإسعافات الأولية لحالات الإصابة بالسكتة القلبية المفاجئة[8].

من ناحية أخرى، ساعد مشروع "tax free" في فلندا، ومشروع "where does my money go" في بريطانيا المواطنين في كل من البلدين على معرفة كيفية إنفاق الحكومة لأموال الضرائب مما عزز الشفافية وساهم في زيادة ثقة المواطنين بالحكومة. أما في السويد، فيُعد مشروع المساعدات "Open Aid" الذي أجرته الحكومة من الأمثلة الناجحة في زيادة الشفافية، إذ يتيح هذا المشروع معرفة متى ولمن ولماذا قُدمت المساعدة وماهي نتائج المساعدة. وقد مكّن هذا المشروع الحكومة من تحسين كفاءة الإدارة وتوفير 7 مليون دولار سنوياً، وتقليص الفساد بقيمة 1.6 مليار دولار سنوياً[9].

الحكومة المفتوحة عالمياً

لقد أدت الحاجة إلى حوكمة أفضل، قادرة على مواجهة التحديات التي يمر بها العالم، إلى تأسيس مبادرة "شراكة الحكومة المفتوحة" في عام 2011، والغرض من هذه الشراكة الدولية بين مختلف أصحاب المصلحة مساعدة الحكومات على العمل على نحو أفضل، وتجديد ثقة الجمهور في المؤسسات العامة؛ وذلك بجعل الحكومات أكثر انفتاحاً وتجاوباً، ومن ثمّ أكثر شفافية وخضوعاً للمساءلة[10]. وقد شاركت أكثر من 70 دولة في شراكة الحكومة المفتوحة حتى عام 2018، من بينها الأردن وتونس والمغرب من المنطقة العربية، هذا بالإضافة إلى 15 حكومة محلية عالمياً. وقد التزمت الدول المشاركة بأكثر من 2500 التزام نحو تطبيق مبادئ الحكومة المفتوحة وإتاحة المجال لإجراء مساءلة أكبر من جانب الحكومة.

لقد أحرزت العديد من الدول المتقدمة خطوات مهمة في سعيها لتصبح أكثر انفتاحاً. بيد أن الدول النامية كانت أقل حماساً نحو التحول باتجاه الحكومة المفتوحة، مع وجود بعض الاستثناءات مثل تشيلي وأوروغواي. وفي هذا السباق نحو الانفتاح، تحتكر دول شمال أوروبا المراكز الخمسة الأولى في معظم مؤشرات الأداء الخاصة بالحكومة المفتوحة، في حين تشغل الدول المتقدمة الأخرى المراكز الخمسة عشر التالية في الترتيب[11]. أما في المنطقة العربية، فلم تأخذ المبادرة طابعاً رسمياً إلا في الدول الثلاثة المذكورة سابقاً، بينما لدى بعض الدول الأخرى لا نجد إلا برامج أو مبادرات متفرقة للبيانات المفتوحة.

 

يبين الجدول (1) تقييم الحكومة المفتوحة في عدد من الدول المتقدمة وبعض الدول النامية والدول العربية التي ذُكرت في تقارير مشروع العدالة الدولية للعامين 2016 و2018 ووفقاً لمعايير تقييم ومؤشرات فريق برنامج العدالة الدولية[12] والذي يعتمد على المؤشرات التالية: البيانات الحكومية المفتوحة، وفض النزاعات والإفصاح عن الأصول، وشفافية الموازنة، وشمول السياسات للجميع. وقد شمل التقييم ست دول عربية.

الجدول (1) ترتيب بعض الدول المتقدمة والنامية والعربية وفق مؤشر تطور الحكومة المفتوحة

الدولةالترتيب العالمي 2016مؤشر الحكومة المفتوحة 2016الترتيب العالمي 2018
مؤشر الحكومة المفتوحة 2018
النرويج10.87
10.88
فنلندا30.8520.86
السويد50.84
40.85
المملكة المتحدة
70.84
80.81
الولايات المتحدة
120.78130.77
جنوب أفريقيا
350.61
340.62
إندونيسيا
370.58470.54
تونس600.51
570.50
الأردن940.43
790.45
المغرب760.47840.44
لبنان930.43890.44
الإمارات العربية المتحدة
1020.39980.39
مصر1130.231120.25
المصدر: World Justice Project 2016, 2017 - 2018 Rule of Law Index.

الحكومة المفتوحة في المنطقة العربية

باستثناء الدول العربية الثلاث التي انضمت إلى الشراكة العالمية للحكومة المفتوحة والتي لديها خطط واضحة ومكتملة للحكومة المفتوحة، ليس لدى معظم الدول العربية سياسة أو استراتيجية مكتملة وصريحة خاصة بالحكومة المفتوحة، ولكن لدى بعضها خطط وطنية كلية أو جزئية، لتطبيق بعض أبعاد الحكومة المفتوحة. أما دول أخرى فهي بصدد وضع خطط بهذا الخصوص. وفي الحقيقة، فإن معظم المبادرات والبرامج التي أُقرت، صُممت كجزء من مشاريع الحكومة الإلكترونية القائمة ولم تأت في الأصل كبرامج ضمن توجه الحكومة استراتيجياً نحو الحكومة المفتوحة. وتهدف هذه المبادرات إما إلى زيادة الانفتاح وذلك عبر إطلاق برامج خاصة بالبيانات المفتوحة، أو تهدف إلى زيادة المشاركة مع المواطنين عبر استخدام مكثف لوسائل التواصل الاجتماعي.

وبالنسبة للإطار التشريعي، أقرت ست دول عربية قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، وهي الأردن وتونس والسودان ولبنان والمغرب واليمن. كما أقرت تونس اللوائح التنفيذية لقانون الحق في الحصول على المعلومات، كما أنشأت هيئة خاصة لمراقبة تنفيذ هذا القانون. وتجدر الإشارة إلى أن عدة دول عربية أصدرت تشريعات مختلفة تتعلق بجوانب أخرى من الحكومة المفتوحة مثل الشفافية والبيانات المفتوحة وتعزيز النزاهة والشفافية المالية. وهناك عدد من مسودات التشريعات المماثلة قيد الاعتماد في بعض الدول العربية الأخرى[13].

كيف يمكن للدول العربية الانتقال نحو الحكومة المفتوحة؟

يتطلب تطبيق الحكومة المفتوحة في الدول العربية اتباع منهجية تراكمية والعبور خلال المراحل الرئيسية الممثلة بالتوصيات التالية[14]:

الخطوات التمهيدية:

تعتبر هذه المرحلة غايةً في الأهمية بالنسبة للدول العربية، وذلك من أجل تحسين جهوزيتها للتحول الفعلي نحو الحكومة المفتوحة، ومن أجل زيادة الوعي حول هذا التوجه. فضلاً عن ذلك، يجب خلال هذه المرحلة تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية الضرورية وبالأخص صياغة قانون حق الوصول إلى المعلومات وإقراره وإنفاذه. من ناحية أخرى، يجب أيضاً تطوير البنى التكنولوجية اللازمة، لا سيما منها توسيع شمولية الإنترنت وتقليص تكاليف الاتصال بحيث تصبح متاحة للجميع.

وينبغي على صانعي السياسات وأصحاب القرار في هذه المرحلة إعداد "ورقة مفاهيم" تشرح معنى الحكومة المفتوحة ونشرها على أوسع نطاق. كما يجب أن تضع الحكومة "وثيقة سياسات" معلنة ترسم بموجبها الإطار الوطني العام للحكومة المفتوحة، وتبيّن فيه رؤيتها والمبادئ التي تستند عليها في التطبيق، والتي توجه اتخاذ القرار. ويجب أيضاً خلال هذه المرحلة إطلاق برامج للتدريب المستمر تتمحور حول الحكومة المفتوحة ومكوناتها، خاصةً للعاملين في الحكومة، وذلك من أجل الاستفادة من التكنولوجيات إلى أقصى حد ممكن في القطاع العام وخاصة تقنيات البيانات المفتوحة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي استخداماً مهنياً.

المرحلة الأولى: الانفتاح

تهدف المرحلة الأولى إلى تحقيق الانفتاح من أجل تعزيز الشفافية، وهو المدخل الأساسي إلى تنفيذ الحكومة المفتوحة. ويعتبر تطبيق البيانات المفتوحة أساس هذه المرحلة والتي تمهد الطريق للمشاركة المفتوحة والتعاون بين الحكومة والمواطنين وباقي الأطراف المعنية.

ويتعين على أصحاب القرار خلال هذه المرحلة إطلاق وتنفيذ مبادرات البيانات المفتوحة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وزيادة الشفافية. كما يجب الحرص على استخدام التقنيات المناسبة والمتاحة مع ضمان جودة البيانات المنشورة وإدارتها وتقييمها دورياً. ويجب أيضاً نشر الوعي لدى الجمهور ولدى العاملين في الحكومة بأهمية البيانات المفتوحة وفوائدها التنموية بما فيها محاربة الفساد.

المرحلة الثانية: المشاركة

تهدف هذه المرحلة إلى تعزيز ثقافة المشاركة وممارساتها وذلك بتحفيز التفاعل بين الإدارات الحكومية والمواطنين. وتساعد هذه المرحلة كلا الطرفين (الحكومة والمواطنين) من ناحيتين: تحسين إسهام المواطن في العمل الحكومي، وزيادة ثقة المواطنين بالحكومة.

ويجب على أصحاب القرار خلال هذه المرحلة تشجيع المواطنين على تقديم الأفكار والمعارف والتعليقات والاقتراحات للحكومة وذلك عن طريق المنصات التكنولوجية أو من خلال اجتماعات تفاعلية تنظم دورياً. كما يجب عليهم توجيه العاملين في القطاع العام للاستفادة من مقترحات المواطنين ونشرها وتعميمها، وتشجيعهم على التجاوب مع المواطنين عبر تقديم ملاحظات وتعليقات. وتعتمد هذه المرحلة على استخدام مكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي.

المرحلة الثالثة: التعاون

تهدف هذه المرحلة إلى تعزيز التعاون المفتوح بين الإدارات الحكومية والمواطنين وكذلك منظمات المجتمع المدني/الأهلي والقطاع الخاص. وتركز هذه المرحلة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداةٍ للتعاون، فضلاً عن الأدوات التعاونية المعلوماتية الأخرى مثل منصات التدوين المتخصصة.

ويجب على أصحاب القرار خلال هذه المرحلة تحفيز تداول وتبادل المعلومات والبيانات مع المواطنين وأخذ آرائهم على محمل الجدّ فيما يتعلق بالسياسات العامة والقرارات والتشريعات، وكذلك تقديم خدمات تتناسب وحاجات المستفيدين. كما يجب على أصحاب القرار توفير المنصات التكنولوجية اللازمة من أجل إشراك المواطنين في تصميم الخدمات ورفع مستوى الجودة والابتكار في الخدمات الحكومية، والذي يؤدي بدوره إلى انخفاض تكاليفها.

المرحلة الرابعة: الإشراك

تهدف هذه المرحلة الرابعة والأخيرة إلى الإشراك، والذي يعتبر الهدف الأساس من الحكومة المفتوحة ككلّ، ومشاركة جميع أصحاب المصلحة في رسم السياسات وصنع القرار، والوصول إلى حكومة شفافة خاضعة للمحاسبة.

ويجب على أصحاب القرار في هذه المرحلة تعزيز المراحل الثلاث السابقة، وزيادة الشفافية من خلال ضمان الوصول الكامل لكافة البيانات والمعلومات بما فيها البيانات والموازنات المالية، وكذلك زيادة الحرية في التعبير عن الرأي. كما ينبغي الارتقاء بالمشاركة والتعاون لتصل إلى مستوى الإشراك الكلي للمواطن بغية تحفيز انخراطه في العمل الحكومي. كما يتعين على الإدارات الحكومية أن تبذل جهدها في تشييد البنى التحتية اللازمة وتنفيذ الإجراءات الحكومية الفعالة التي تضمن التحسين المستمر والابتكار في برامج إشراك المواطن، وبناء الحكومة الشفافة المتمركزة حول المواطن.

ما هي "شراكة الحكومة المفتوحة"؟

في عام 2011، أقرت ثمانية بلدان – البرازيل وإندونيسيا والمكسيك والنرويج والفلبين وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية – إعلان الحكومة المفتوحة وأطلقت شراكة الحكومة المفتوحة (OGP) والتي تعدّ مبادرة متعددة الأطراف وشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني. تلتزم الحكومة من خلال هذه الشراكة بتعهدات خاصة لتعزيز الشفافية، وتمكين المواطنين، ومكافحة الفساد، واستخدام التكنولوجيا والابتكار لتحسين الحوكمة.

وللانضمام إلى شراكة الحكومة المفتوحة، يجب على الدولة اعتماد إعلان الحكومة المفتوحة والالتزام بمعايير معينة تشمل: الشفافية المالية، والوصول إلى المعلومات، ومشاركة المواطنين، والكشف عن الأصول من قبل الموظفين العموميين. ويجب أن تحقق الدولة درجة تصل إلى 75 في المائة على الأقل في المواضيع الهامة المتعلقة بشراكة الحكومة المفتوحة. كما يجب على الحكومة أيضاً تقديم رسالة رسمية تعلن فيها عن رغبتها الانضمام إلى مبادرة شراكة الحكومة المفتوحة وتعيين جهة تكون بمثابة نقطة اتصال للدولة مع هذه المبادرة.

إطار عمل الإسكوا لتطبيق الحكومة المفتوحة في الدول العربية[15]

بُغية دعم الدول العربية لتطبيق الحكومة المفتوحة، وضعت منظمة الإسكوا إطاراً عملياً لصنع السياسات هدفه تعزيز وتطبيق الحكومة المفتوحة في الدول العربية. ويتلاءم هذا الإطار مع واقع الدول العربية في مجال الحوكمة، وفي مجال استثمار التكنولوجيا والحكومة الإلكترونية، كما يتناسب مع الوضع التشريعي والتنظيمي في المؤسسات الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، يتوافق هذا الإطار مع ثقافة المجتمع العربي ومدى تفاعله مع القطاع العام. ويُعدّ هذا الإطار دليلاً نموذجياً لتطبيق الحكومة المفتوحة ووضع خطط العمل الوطنية. ومن أهم ميزاته أنه مستمدٌ من أفضل الممارسات العالمية ووثيق الصلة جداً بنشاطات الحكومة الإلكترونية المعتمدة. ويتضمن الإطار أربع مراحل أساسية تتمثل في: الانفتاح، والمشاركة، والتعاون والإشراك؛ بالإضافة إلى مرحلة الخطوات التمهيدية. وجدير بالذكر أن هذا الإطار قابل للتكيّف مع مستوى واحتياجات كل دولة، كما يمكن التوسع في تطبيقه بناءً على بُعدين:

  • البُعد "العمودي": أي تطبيق مراحل التنفيذ المختلفة بصورة تسلسلية،
  • البُعد "الأفقي": أي إمكانية تطبيقه على إدارات محدّدة، ثم التوسّع لاحقاً إلى إدارات أخرى.

نحو الحكومة المفتوحة عربياً

ما من غنى عن التحول نحو الحكومة المفتوحة بالنسبة للدول العربية، وذلك من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وبالرغم من أن عدداً من الدول العربية تطبق بالفعل -أو بدأت تطبق- بعض أبعاد الحكومة المفتوحة، إلا أن التحول الصريح والشامل نحو الانفتاح وإشراك المواطنين بصنع القرار يتطلب جهوداً متكاملة ضمن سياسة أو خطة عمل شاملة لتطبيق الحكومة المفتوحة. ويجب أن تتضمن السياسة/خطة العمل الأبعاد التشريعية والقانونية والتنظيمية والتكنولوجية اللازمة لإنجاز التحول، فضلاً عن بناء القدرات والكفاءات. في هذا السياق، تقدم الإسكوا إطاراً مرجعياً لتعزيز الحكومة المفتوحة يتلاءم مع احتياجات الدول العربية من أجل التحول نحو الحكومة المفتوحة كما يمكن ملاءمته مع احتياجات كل دولة على حدا.

ختاماً يوصي المضي بخطة الطريق نحو الحكومة المفتوحة تدريجياً وفقاً للمراحل السابقة بحيث يتم التركيز في كل مرحلة على أحد أبعاد الحكومة المفتوحة والتي تتمثل فيما يلي: الانفتاح، والمشاركة، والتعاون والإشراك. حيث أن هذا التقسيم إلى مراحل يساعد الحكومة على إحداث تغييرات في البنى التشريعية والتنظيمية والتكنولوجية وكذلك القدرات البشرية بشكل تدريجي، وبحيث يراعي التنفيذ المرحلي الأبعاد الثقافية للتغيير في أسلوب عمل القطاع العام.

 

نبال إدلبي هي رئيسة قسم الابتكار في الإسكوا، وخبيرة متقدمة في مجتمع المعرفة وفي التكنولوجيا من أجل التنمية. اقرأ كامل السيرة الذاتية عبر الضغط هنا.

 

المصادر:

  1. هذا المقال من إعداد نبال إدلبي، رئيسة قسم الابتكار، إدارة التكنولوجيا من أجل التنمية، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (الإسكوا)، بناء على دراسة أجرتها الإسكوا تحت عنوان: "تعزيز الحكومة المفتوحة في المنطقة العربية"  https://www.unescwa.org/publications/fostering-open-government-arab-region-2018
  2. بناء على تعريف الإسكوا للحكومة المفتوحة المبني على سبر علمي للكتابات والأدبيات المتعلقة بالموضوع
  3. http://opendatahandbook.org/guide/en/why-open-data/
  4. https://www.europeandataportal.eu/en/highlights/creating-value-through-open-data
  5. ESCWA (2014). Arab governance report: governance challenges in countries undergoing transition. Beirut. Available at: https://www.unescwa.org/publications/arab-governance-report-2014
  6. 16.6: إنشاء مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات، 16.7: ضمان اتخاذ القرارات على نحو مستجيب للاحتياجات وشامل للجميع وتشاركي وتمثيلي على جميع المستويات، 16.10: كفالة وصول الجمهور إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية، وفقاً للتشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية.
  7. http://blogs.worldbank.org/ic4d/open-government-data-helping-parents-find-best-school-their-kids
  8. https://www.pulsepoint.org/
  9. http://odimpact.org/case-openaid-in-sweden.html
  10. شراكة الحكومة المفتوحة https://www.opengovpartnership.org
  11. World Justice Project, Rule of Law Index 2017–2018
  12. http://worldjusticeproject.org/
  13. (ESCWA 2018),: "تعزيز الحكومة المفتوحة في المنطقة العربية"، الفصل 3
  14. بناء على إطار عمل الإسكوا لتطبيق الحكومة المفتوحة في الدول العربية.
  15. ESCWA (2018), Fostering Open Government in the Arab Region, Chapter 4

المقالات المرتبطة
image
أمة الذكاء الاصطناعي: التبني المتسارع للذكاء الاصطناعي من خلال "رشاقة" صنع السياسات - الإمارات نموذجاً
image
كيف يمكننا بناء الاقتصاد الرقمي العربي؟ نحو مخططٍ استراتيجي
image
صياغة المستقبل الرقمي للعالم العربي - خارطة طريق السياسات، نحو أجندات وطنية
image
كيف تطبّق سياسات عامة مؤثّرة حقاً؟ مجموعة أدوات عملية لصانع السياسات
image
حوكمة أهداف التنمية المستدامة - كيف يمكن قيادة دفة تحقيقها بأسرع ما يمكن
image
كيف نعكس موج التنمية في العالم العربي؟ نحو سياسات مرتكزة على البيانات، تسارع بنا نحو أهداف التنمية المستدامة
image
مستقبل المدن - ما الذي يمكن أن يتعلمه صناع السياسات من مقاييس المدن الذكية؟
image
هل يمكن للحكومة الرقمية أن تُسارِع تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
التعليقات

التعليقات 0

انضم إلى المحادثة